فصل: لِلأَمَدِ الّذِي إليْهِ التُزِمَا *** وَهْوَ مُشَارِكٌ بِهِ لِلغُرَمَا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة ***


والبِكْرُ ذَاتُ الأَبِ لاَ تُخْتَلعُ *** إلاَّ بإذْنِ حاجِرٍ وَتُمْنَعُ

‏(‏والبكر‏)‏ مبتدأ ‏(‏ذات الأب‏)‏ نعت له وجملة ‏(‏لا تختلع‏)‏ بالبناء للفاعل خبر ‏(‏ إلا‏)‏ إبطال للنفي ‏(‏بإذن‏)‏ يتعلق بتختلع ‏(‏حاجر‏)‏ مضاف إليه ‏(‏وتمنع‏)‏ بالبناء للمفعول ونائبه ضمير البكر ومتعلقه محذوف أي وتمنع بغير إذنه، والجملة معطوفة على الجملة قبلها مفسرة لها في المعنى‏.‏

وَجازَ إنْ أبٌ عَلَيْهَا أَعْمَلَهْ *** كَذَا عَلَى الثَّيِّبِ بَعْدَ الإذْنِ لَهْ

‏(‏وجاز‏)‏ فاعله ضمير الخلع ‏(‏إن‏)‏ شرط ‏(‏أب‏)‏ فاعل بفعل محذوف يفسره ما بعده ‏(‏ عليها‏)‏ يتعلق بقوله ‏(‏أعمله‏)‏ وقوله‏:‏ ‏(‏كذا‏)‏ خبر لمبتدأ محذوف ‏(‏على الثيب‏)‏ يتعلق بأعمله محذوفاً لدلالة ما قبله عليه ‏(‏بعد الإذن‏)‏ يتعلق بأعمله المحذوف ‏(‏له‏)‏ يتعلق بالإذن‏.‏ والتقدير‏:‏ والحكم كائن كذلك إن أعمله الأب على الثيب بعد إذنها له، ومعناه أن البكر الصغيرة أو البالغ التي لم ترشد ولم يدخل بها زوجها أو دخل وطلقت قبل المسيس ولم تطل إقامتها سنة ومثلها الصغيرة التي ثيبت قبل البلوغ لا يجوز خلعها‏.‏ وظاهره ولو خالعت بخلع أمثالها ويجب رد المال إن وقع وبانت‏.‏ نعم إن أعمله الأب عليها بإذنها أو بغيره جاز، ولزم حيث كان نظراً لأنه معزول عن غير المصلحة، وظاهره‏:‏ ولو بجميع صداقها وهو كذلك كما في المدونة وليس ذلك للوصي الغير المجبر، وأما المجبر فهو كالأب فلو قال الناظم‏:‏

والبنت ذات الجبر لا تختلع *** إلا بإذن مجبر وتمنع

وجاز إن هو عليها أعمله الخ‏.‏ لوفى بالمراد ويفهم منه أن الوصي الغير المجبر، ومثله مقدم القاضي ليس له ذلك في هذه البنت التي لو كان أبوها لجبرها إلا بإذنها فيجوز إن كانت بالغة وكان نظراً لها وأما الصغيرة فلا يجوز خلعها، ولو أمضاه وصيها المذكور، وكذا خلع وصيها عنها بإذنها على المشهور المعمول به كما في ابن سلمون، وظاهر ‏(‏خ‏)‏ وشراحه أن ذلك يمضي من الصغيرة بإذنه وصرح به ابن رحال فقال‏:‏ وأما خلع الوصي بموافقة محجورته السفيهة والصغيرة فيجوز اه‏.‏ وهو أقوى إذ حيث فعلت بإذنه فهو الفاعل لذلك، وكذا إن أمضاه‏.‏ وعلى ما لابن سلمون يكون في مفهوم المجبر على الإصلاح المذكور تفصيل بين الإذن وعدمه والصغيرة وغيرها‏.‏ وقوله‏:‏ كذا على الثيب الخ‏.‏ هذا مفهوم قوله‏:‏ البكر‏.‏

ومعناه أن الثيب البالغة السفيهة يجوز للأب أن يخالع عنها من مالها بإذنها، وكذا الوصي ومقدم القاضي لأنه إذا جاز لهما الخلع في البكر البالغ بإذنها كما مر فأحرى في الثيب، ومفهوم قوله‏:‏ بعد الإذن أن خلعه عنها بغير إذنها لا يمضي عليها وهو كذلك على المشهور المعمول به، ولها حينئذ مطالبة الزوج بصداقها والطلاق واقع‏.‏ ولا يقال إذن السفيه كلا إذن فلم اشترطوه ههنا‏؟‏ لأنا نقول لاحظوا ههنا الضرر البدني، لكن من حجتها على الأب والوصي أن تقول إسقاطكما مالي عن زوجي لما يتقى من سوء عشرته لا يلزمني لأني أرضى بالبقاء معه على ذلك الحال، وفهم من قوله بعد الإذن له إنها إذا خالعته وحدها لا يمضي أيضاً، ولو خالعته بخلع وهو ظاهر قول ‏(‏خ‏)‏ لا من صغيرة وسفيهة الخ‏.‏ والمراد بالسفيهة ههنا بكراً كانت أو ثيباً من ثبتت لها حالة السفه لأن العبرة بالحال لا الولاية فمن حالها حال الرشداء مضى خلعها، ولو كان لها حاجر، والعكس بالعكس والصغيرة لا تكون رشيدة إذ من شرطه البلوغ كما في ابن رحال‏.‏ وظاهر كلام الناظم أنه لا فرق في هذه الثيب بين أن تكون ثيبت بوطء هذا المخالع لها أو بوطء غيره قبله، وأما المجبرة المتقدمة فإنه إذا بنى بها الزوج صارت ثيباً فلا بد من إذنها إلا أن تكون غير بالغة كما مرّ‏.‏ وتقدم في البيت قبله أنه لا يجوز له العفو بعد البناء لأنها استحقته بالمسيس إلا أن يقال‏:‏ إن الخلع هنا ليس عفواً لأنه لما يترقب من سوء العشرة، وفي المدونة إن خالع عنها بجميع الصداق بعد البناء قبل البلوغ جاز‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ سكت الناظم عن المهملة التي لا وصي عليها ولا مقدم‏.‏ وفي مضي خلعها أن خالعته خلع أمثالها قولان‏.‏ عمل بكل منهما كما في المتيطية‏.‏ قال الرجراجي‏:‏ المشهور أن خلعها لا يجوز، وقال في الفائق‏:‏ المعمول به أنه لا يجوز من فعل المهملة شيء حتى يتم لها مع زوجها العام ونحوه اه‏.‏ بنقل الشيخ بناني، وظاهر ذلك ولو خالعت بخلع أمثالها‏.‏ واقتصر ابن سلمون على العمل بالمضي، وعزاه لابن القاسم وسحنون وكذا الفشتالي وصاحب الطرر فيفهم منهم أنه الراجح، ولا سيما وهو قول ابن القاسم وسحنون‏.‏ وقد قال الشيخ طفي في باب الزكاة عند قول المتن والقراض الحاضر إلخ‏.‏ أنه اشتهر عند الشيوخ أنه لا يعدل عن قول ابن القاسم مع سحنون إذا اجتمعا، وظاهر هذا النقل أن ذلك ماض ولو خالعته قبل مضي عام من دخولها ولو معلومة السفه، وسيأتي عن البرزلي ما يبين لك وجه ذلك، لكنه لا يتم في معلومة السفه على ما به العمل الآن من أن العبرة بالحال لا الولاية وما مرّ عن ابن سلمون والطرر والفشتالي من العمل المذكور إنما هو في زمانهم من أن المهمل تمضي أفعاله، وأن العبرة بالولاية لا الحال كما يفيده‏.‏ نقل ابن عرفة فقف عليه، وقد علمت أن العمل ليس على ذلك الآن فلا تغتر بذلك‏.‏ وانظر أيضاً لو خالعت بأكثر من خلع مثلها على ما لابن سلمون ومن معه هل يرد الزائد فقط وهو الظاهر أو يرد الجميع وهو ما يفيده‏؟‏ نقل ابن عرفة‏.‏ وكذا لو خالع الأب أو الوصي بأكثر من خلع المثل فإنها ترجع على الزوج أو على الأب إن أعدم الزوج بالزائد فقط فيما يظهر لأنه القدر الذي فوت عليها ولا يقال يلزم من كون الخلع نظراً أن يكون بخلع المثل‏.‏ لأنا نقول قد يكون الخلع نظراً في نفسه لأن النظر فيه مصروف لما يترقب من الزوج من سوء العشرة، ولكنه أكثر من خلع المثل فتأمله‏.‏ وذكر ابن رحال ههنا أن ظاهر كلامهم جوازه من الأب ولو بأكثر من خلع المثل اه‏.‏

الثاني‏:‏ قال ابن سلمون‏:‏ ذكر ابن سعدون في شرح المدونة أن الزوج إذا شرط في خلع من تقدم أنه إن لم يصح له الخلع على ما وقع فالعصمة باقية إن شرطه ذلك ينفعه، ومتى طلب منه ما أخذ كانت له زوجة كما كانت اه‏.‏ ومثله في الطرر والبرزلي وابن سلمون واعترضه ‏(‏ح‏)‏ بأنه خلاف المذهب، وفي المدونة وإن أعطته شيئاً على أن يطلق ويشترط الرجعة أو خالعها وشرط أنها إن طلبت شيئاً عادت زوجة فشرطه باطل والخلع يلزمه ولا رجعة له إلا بنكاح مبتدأ اه‏.‏ هذا إذا لم يكن معلقاً ابتداء وإلاَّ فينفعه كما لو قال لصغيرة أو سفيهة أو ذات رق إن صحت براءتك فأنت طالق بعد قولها أبرأتك فلا يقع عليه الطلاق حتى يجيز وليها ذلك‏.‏

الثالث‏:‏ محل الخلاف في قول ‏(‏خ‏)‏ وفي خلع الأب عن السفيهة خلاف إنما هو في خلعه عنها بغير إذنها لأن أحد المشهورين يقول‏:‏ لا يجوز إلا بإذنها والآخر يقول بالجواز مطلقاً فقد اتفقا على جوازه مع الإذن، وحينئذ فقول الناظم بعد الإذن له ليس هو أحد المشهورين في كلام ‏(‏خ‏)‏ بل محل اتفاق منهما فمنطوق الناظم يتفق عليه المشهوران معاً، ومفهومه فيه الخلاف المذكور، لكن المعمول به عدم المضي فقول ابن رحال ههنا‏:‏ الراجح من الخلاف جواز خلع الأب عنها استقلالاً الخ‏.‏ خلاف المعمول به‏.‏

الرابع‏:‏ رجح البرزلي كما في المواق أن من فعل فعلاً لو كان رفع إلى القاضي لم يفعل غيره، فإنه يكون كأن القاضي فعله الخ‏.‏ فيقتضي بظاهره أن الصغير والسفيهة ذواتا المقدم، بل والمهملة إذا خالعن خلع أمثالهن، وكان إيقاع الخلع أحسن لهن أن يمضي ذلك لأنهن لو رفعن أمرهن إلى القاضي لم يفعل غير ذلك، وهذا وإن كان قولاً قوياً في المذهب كما تقدم عن ابن سلمون في المهملة وقال مثله ابن القاسم في الصغيرة كما في المواق وضيح زاد في ضيح قيل‏:‏ وبه العمل قال‏:‏ ويلزم على قول ابن القاسم في الصغيرة أن يمضي خلع السفيهة بذلك ولو مولى عليها الخ‏.‏ لكنه خلاف المذهب المعتمد من نفوذ الخلع ووجوب رد المال كما مر فلا تغتر بشيء من ذلك والله أعلم‏.‏

الخامس‏:‏ لما نقل ابن عرفة قول المتيطي وابن فتحون للمحجورة أن تخالع بإذن أبيها أو وصيها وتقول بعد إذنه لما رآه من الغبطة قال‏:‏ فالأرجح عقده على الوصي برضاها لا عليها بإذنه خلاف قصره بعضهم عليها بإذن الوصي اتباعاً منه للفظ الموثقين وأظنه لعدم ذكره قول ابن القاسم فيها وعليه لو بارأ غير الأب عن البكر فقال في اختصار الواضحة‏:‏ الطلاق نافذ ويرجع الزوج بما يرده للزوجة على من بارأه عنها وإن لم يشترط ضمانه لأنه المتولي وضعه عنه اه بلفظه‏.‏ وعبارة المتيطية‏:‏ فإن كانت الزوجة محجوراً عليها لأب أو وصي قلت في مخالعتها على أن أسقطت فلانة أو التزمت له بإذن أبيها كذا وكذا لما رأى في ذلك من الغبطة لها والحيطة عليها اه‏.‏ ونحوه في ابن سلمون وقول ابن عرفة وعليه لو بارأ غير الأب الخ‏.‏ هو أحد أقوال ذكرها ابن سلمون فقال‏:‏ فإن عقد على اليتيمة أو غيرها ولي أو أجنبي فلها الرجوع على زوجها والطلاق ماض‏.‏ وهل يرجع الزوج على الذي عقد معه الخلع إذا لم يضمن ذلك‏؟‏ فقيل‏:‏ يرجع وإن لم يضمن لأنه هو الذي أدخله في الطلاق، وهذا لابن القاسم‏.‏ وروايته عن مالك في كتاب الصلح من المدونة‏.‏ وقول أصبغ في الواضحة والعتبية‏:‏ وقد تقدم نقل كلامه عند قوله‏:‏ وإن تكن قد خالعت وأثبتت أضراره الخ‏.‏ وعلى ما لابن عرفة من كون الراجح عقده على الوصي برضاها يكون الراجح من تلك الأقوال هو الرجوع كما يدل عليه قوله‏:‏ وعليه الخ‏.‏

وَامْتَنَعَ الخُلْعُ على المَحْجُورِ *** إلاّ بِإذْنِهِ على المَشْهُورِ

‏(‏وامتنع الخلع‏)‏ فعل وفاعل ‏(‏على المحجور‏)‏ يتعلق بالخلع ‏(‏إلا‏)‏ استثناء ‏(‏بإذنه‏)‏ يتعلق بالخلع أيضاً أي امتنع الخلع على المحجور الذكر البالغ بكل وجه من الوجوه إلا بإذنه فيجوز حينئذ لوليه أن يخالع عنه ولو مقدماً من قاض ‏(‏على المشهور‏)‏ ومقابله قول ابن القاسم في الجنايات أنه يجوز لوصيه أن يخالع عنه بغير أمره‏.‏

وَالْخُلْعُ جائِزٌ على الأَصاغِرِ *** مَعْ أَخْذِ شَيْءٍ لأَبٍ أَوْ حاجِرِ

‏(‏والخلع‏)‏ مبتدأ ‏(‏جائز‏)‏ خبره ‏(‏على الأصاغر‏)‏ يتعلق بالخلع ‏(‏مع‏)‏ بسكون العين ظرف مضاف لقوله ‏(‏أخذ شيء‏)‏ وقوله ‏(‏لأب أو حاجر‏)‏ يتعلق بالخبر المذكور أي‏:‏ والخلع على الأولاد الأصاغر جائز لأب أو حاجر مع أخذ شيء من الزوجة أو وليها‏.‏ وهذا إذا كان على وجه النظر كما في ضيح، وإنما أسقط المصنف هذا لأنه معلوم أن الولي لا يمضي تصرفه على المولى عليه إلا بالنظر‏.‏ ابن ناجي‏:‏ ظاهرها أنه لا يجوز خلعه عنه إلا بشرطين النظر مع الأخذ أما إن رآه نظراً دون أخذ فلا‏.‏ قال‏:‏ ورأيت شيخنا أبا العباس بن حيدرة حكم بمطلق النظر دون أخذ، وبه أقول وهو نص اللخمي اه باختصار‏.‏ ويشمل قوله‏:‏ أو حاجر خلع السيد عن عبده الصغير‏.‏ ابن فتوح وابن فتحون‏:‏ يجوز للأب ووصيه والسلطان وخليفته المباراة على الصغير بشيء يسقط عنه أو يؤخذ له لا غير ذلك‏.‏ وكذا السيد في عبده الصغير‏.‏ ابن عرفة‏:‏ هذا خلاف قول اللخمي يجوز أن يطلق على السفيه البالغ والصغير بغير شيء يؤخذ له، لأنه قد يكون بقاء العصمة مبدياً لأمر جهل قبل إنكاحه أو حدث بعده من كون الزوجة غير محمودة الطريق أو متلفة ماله اه‏.‏ وعلى الأول عول ‏(‏خ‏)‏ حيث قال‏:‏ وموجبه زوج مكلف ولو سفيهاً وولي صغير أباً أو سيداً أو غيرهما لا أب سفيه وسيد بالغ الخ‏.‏ وبه تعلم أن ما للخمي، واختاره ابن ناجي مقابل لما في النظم، وتعلم أيضاً أن قول ابن سلمون لا يجوز طلاق الأب والوصي على الصغير إلا بشيء يأخذانه له بلا خلاف لا يصح كما مر‏.‏

تنبيه‏:‏

يؤخذ من قول الناظم إلا بإذنه أن السفيه يستقل بالخلع لأن المدار على إذنه ولأن الطلاق بيده وهو كذلك كما مرّ عن ‏(‏خ‏)‏ ويبقى النظر هل يبرأ المختلع بتسليم المال إليه أم لا‏؟‏ وهل إذا خالع بأقل من خلع المثل يكمل له أم لا‏.‏ والمذهب أنه لا يبرأ إلا بتسليمه لوليه، وأنه يكمل له إن خالع بأقل من خلع المثل كما لابن شاس واللخمي، ورجحه ابن رحال في شرحه لأنه بنفس العقد يكمله ويصير مالاً من أمواله فكيف يبرأ دافعه بدفعه للسفيه المبذر له‏.‏ ولأنه معاوضة بدليل أنه يكمل له خلع المثل إن خالع بأقل، ولو كان كالهبة كما قال ابن عرفة‏:‏ إنه ظاهر الموثقين ما كمل له خلع المثل فانظره‏.‏

قلت‏:‏ وانظر إذا خالع ولي الصغير عنه بأقل من خلع المثل هل يكمل له أو يبطل الطلاق من أصله، والظاهر الأول لأن حق الصغير لم يبق إلا في التكميل‏.‏ نعم إذا كان الطلاق عليه من أصله غير نظر، فلا يمضي عليه حينئذ فالنظر لا بدّ منه على هذا في الطلاق والخلع معاً، وقد يوجد في أحدهما دون الآخر‏.‏

وَمَنْ يُطَلِّقْ زَوْجَةً وَتَخْتَلعْ *** بِوَلدٍ مِنْهُ لَهُ وَيَرْتَجِعْ

‏(‏ومن يطلق‏)‏ شرط وفعله ‏(‏زوجة‏)‏ مفعوله ‏(‏وتختلع‏)‏ بالجزم عطف على فعل الشرط ‏(‏ بولد منه‏)‏ يتعلقان بتختلع وليس المجرور الثاني صفة للأول، بل هو مقدم عليه في التقدير ‏(‏له‏)‏ صفة لولد فصل بينه وبين موصوفه بأجنبي ‏(‏ويرتجع‏)‏ معطوف على تختلع‏.‏

ثُم يُطَلِّقْها فحُكْمُ الشَّرْعِ *** أَنْ لا يَعُودَ حُكْمُ ذاك الخُلْعِ

‏(‏ثم يطلقها‏)‏ معطوف عليه أيضاً ‏(‏فحكم‏)‏ مبتدأ ‏(‏الشرع‏)‏ مضاف إليه ‏(‏أن لا يعود‏)‏ منصوب بأن ‏(‏حكم‏)‏ فاعل والجملة في تأويل مصدر خبر المبتدأ أي فحكم الشرع عدم عود حكم ‏(‏ذاك الخلع‏)‏‏.‏ والجملة من المبتدأ والخبر جواب الشرط، وأشار بهذين البيتين إلى ما في أجوبة ابن رشد رحمه الله، وذلك أنه سأله أهل بطليوس عمن خالع امرأته على أن تحملت بنفقة ابنه منها إلى الحلم، ثم راجعها بنكاح جديد، ثم طلقها هل يسقط عن الزوجة ما تحملته بمراجعته إياها أم لا‏؟‏ وكيف إن طلبه بما تحملته وهي في عصمته بالمراجعة التي راجعها هل يقضي بذلك أم لا‏؟‏ فأجاب‏:‏ إذا راجعها سقط عنها ما تحملته من نفقة ابنه ورجعت النفقة عليه ولا تعود عليها إن طلقها ولم تتحمل له بها ثانية وبالله التوفيق‏.‏ ونقله ابن عات وغيره بالمعنى وبحث فيه ‏(‏ح‏)‏ في التزاماته فقال لم يظهر لي وجه سقوط النفقة عنها بمراجعته إياها إلا أن يكون فهم عنها أنها إنما التزمت النفقة على الولد ما لم تكن في عصمة الزوج اه‏.‏ قال أبو العباس الملوي‏:‏ وذلك لأنه حق للولد فلا يسقط بمراجعة أبيه أمه قال‏:‏ ولكن في فائق الونشريسي ما ينتج منه دفع هذا البحث لأن الالتزام في الحقيقة حق للزوج لا للولد اه‏.‏ من خطه‏.‏

قلت‏:‏ الظاهر عدم دفع البحث المذكور لأن الالتزام وإن كان حقاً للزوج لا للولد لا يسقط عنها إلا بمسقط ولم يوجد، وأيضاً فإن الصبي قد يكون له مال فالحق حينئذ للولد لأن النفقة ساقطة عن أبيه، وقد يكون لا مال له فالحق حينئذ للزوج لكنه لم يسقط‏.‏

وَإنْ تَمُتْ ذَاتُ اخْتِلاعٍ وُقِفَا *** مِنَ مَالِها ما فيهِ لِلدَّيْنِ وَفَا

‏(‏وإن تمت‏)‏ شرط ‏(‏ذات‏)‏ فاعل ‏(‏اختلاع‏)‏ مضاف إليه ‏(‏وقفا‏)‏ بالبناء للمفعول جواب الشرط ‏(‏من مالها‏)‏ يتعلق بوقفا ‏(‏ما‏)‏ موصول نائب الفاعل ‏(‏فيه‏)‏ خبر مقدم ‏(‏ للدين‏)‏ يتعلق بالاستقرار في الخبر المذكور ‏(‏وفا‏)‏ مبتدأ مؤخر والجملة صلة ما‏.‏

لِلأَمَدِ الّذِي إليْهِ التُزِمَا *** وَهْوَ مُشَارِكٌ بِهِ لِلغُرَمَا

‏(‏للأمد‏)‏ يتعلق بوقفا أو بوفا واللام للغاية بمعنى إلى ‏(‏الذي‏)‏ نعت للأمد ‏(‏إليه‏)‏ يتعلق بقوله‏:‏ ‏(‏التزما‏)‏ بالبناء للمفعول ونائبه ضمير الإنفاق المفهوم من السياق والجملة صلة ‏(‏فهو‏)‏ مبتدأ عائد على الأب ‏(‏مشارك‏)‏ خبره ‏(‏به للغرما‏)‏ يتعلقان به والضمير المجرور عائد على الدين، والجملة من المبتدأ والخبر جواب عن سؤال مقدر فكأن قائلاً قال له‏:‏ وإن كانت عليها ديون فهل يحاصص به‏؟‏ فقال‏:‏ نعم فهو مشارك الخ‏.‏ والمعنى أنه إذا خالعها على أن تحملت له بنفقة ولدها أو غير مدة معلومة كخمس عشرة سنة أو إلى البلوغ ونحو ذلك‏.‏ ثم ماتت في أثناء المدة فإنه يوقف من مالها قدر مؤنة الابن إلى انقضاء المدة التي التزمتها فإن كان عليها ديون غير ما التزمته فإن للزوج محاصة غرمائها بما التزمته من نفقة ولده بأن يقال ما قدر ما يفي بنفقته في المدة الباقية، فيقال‏:‏ كذا ويحاصص به مع أرباب الديون، وفهم من قوله‏:‏ وقفاً أنه يوضع عند أمين ولا يدفع للأب وهو كذلك لأن الولد إذا مات بعد ذلك فإن الباقي مما وقف يرجع ميراثاً لورثتها أو لأرباب الديون إن بقي لهم شيء من ديونهم كما في الوثائق المجموعة وابن سلمون وغيرهما‏.‏ ومفهوم قوله‏:‏ وإن تمت أنها إذا لم تمت بل مات الولد أنه لا شيء للأب وهو كذلك كما مرّ في قوله‏:‏ وليس للأب إذا مات الولد شيء الخ‏.‏ وقولي مدة معلومة احترازاً من المجهولة بأن لا يضربا لذلك أجلاً أصلاً أو يضربا لذلك أجلاً مجهولاً كقدوم زيد أو يسر الأب فإن ذلك لا يجوز كما صرّح به ابن رحال في شرحه، وهو ظاهر لكثرة الغرر، لكن يبقى النظر إذا وقع ونزل ولا يخفى أن الطلاق نافذ ولا إشكال، وتقدم ما يجب في ذلك عند قوله‏:‏ وليس للأب الخ‏.‏ وعند قوله‏:‏ والخلع بالإنفاق محدود الأجل الخ‏.‏ ثم لا يخفى أن ما ذكره الناظم في هذين البيتين وفي اللذين قبلهما مفرع على قول المخزومي ومن معه بجواز الخلع بالنفقة الزائدة على الحولين، وحينئذ فكان اللائق أن يقدم هذه الأبيات الأربعة ويجعلها بعد قوله‏:‏ وجاز قولاً واحداً الخ، كما مر التنبيه عليه‏.‏

وَمَوْقِعُ الثَّلاثِ في الخُلْع ثَبَتْ *** طَلاقُهُ وَالخُلْعُ رُدَّ إنْ أَبَتْ

‏(‏وموقع الثلاث‏)‏ مبتدأ ومضاف إليه ‏(‏في الخلع‏)‏ يتعلق بالمبتدأ ‏(‏ثبت طلاقه‏)‏ فعل وفاعل خبر المبتدأ ‏(‏والخلع‏)‏ مبتدأ ‏(‏رد‏)‏ بضم الراء مبنياً للمفعول خبر المبتدأ، ويجوز قراءته بكسر الراء على أنه مصدر بمعنى المفعول، فالخبر حينئذ مفرد لا جملة ‏(‏إن أبت‏)‏ شرط حذف جوابه للعلم به فقوله‏:‏ أبت يحتمل أنه من الإباية، والمعنى عليه أنها إذا أعطته ديناراً مثلاً ليطلقها واحدة أو ليطلقها وأطلقت فطلقها ثلاثاً، فإن الطلاق واقع والخلع مردود حيث لم ترض بالثلاث قاله ابن سلمون‏.‏ واستظهره ابن عرفة وابن رشد قائلين لأنه بطلاقه إياها ثلاثاً يعيبها لامتناع كثير من الناس من تزوجها خوف جعلها إياه محللاً فتسيء عشرته ليطلقها فتحل للأول، لكن قال ابن رحال في شرحه ما في ابن سلمون خلاف ظاهرها‏.‏ وقال في حاشيته‏:‏ ههنا يحتمل أن يكون قوله أبت من البتات الذي هو القطع وضميره للزوج لا من الإباية التي هي الامتناع وضميره للزوجة، ويكون حينئذ أشار إلى مضمون قول ‏(‏خ‏)‏ إن قال‏:‏ إن خالعتك فأنت طالق ثلاثاً‏.‏ وعليه فقول الناظم في الخلع يتعلق بمحذوف أي في التعليق على الخلع اه‏.‏ وبالجملة فالمسائل ثلاث‏.‏

الأولى‏:‏ أن تقول طلقني بألف مثلاً فيطلقها ثلاثاً وهذه هي التي في النظم وهو تابع في ذلك لابن سلمون واستظهار ابن راشد وابن عرفة والذي في ‏(‏خ‏)‏ وهو ظاهر المدونة أو نصها على ما في ضيح أن ذلك لازم لها‏.‏

الثانية‏:‏ عكس ما في النظم وهي أن تقول له طلقني ثلاثاً بألف فيطلقها واحدة فإن الألف لازم لها أيضاً لأن المدار على البينونة وهي حاصلة بالواحدة فلا فائدة لاشتراطها الثلاث وبحث فيه ابن عرفة وأبو الحسن وابن عبد السلام‏:‏ بأن الشرط المذكور قد يكون مفيداً لأن مقصودها بإعطاء العوض البعد منه على أتم الوجوه بحيث لا يبقى له فيها طلب، وذلك إنما يحصل بالثلاث، وأما الواحدة فقد يتوصل إلى مراجعتها بشفيع لا يمكنها رده اه‏.‏ وإلى مسألة الناظم وعكسها أشار ‏(‏ح‏)‏ عاطفاً على ما يلزم فيه العوض بقوله‏:‏ أو طلقني ثلاثاً بألف فطلقها واحدة أو بالعكس‏.‏

الثالثة‏:‏ أن يعلق الثلاث على الخلع وهي التي أشار لها ‏(‏خ‏)‏ عاطفاً على ما يرد فيه العوض بقوله أو قال إن خالعتك فأنت طالق ثلاثاً فإنه إذا خالعها وقعت الثلاث مصاحبة لخلعه لأن الشرط والمشروط يقعان دفعة واحدة ضرورة اقتران المشروط مع جزء شرطه في الوجود، كما للوانوغي فلم يصادفها الخلع وهي زوجة فوجب رد المال، ولما كان كلام الناظم وابن سلمون مخالفاً لما في ‏(‏خ‏)‏ وظاهر المدونة أو نصها أوله ابن رحال بما مر على هذه المسألة الثالثة وإن كان ذلك بعيداً من لفظهما‏.‏

تنبيه‏:‏

ما ذكره ‏(‏خ‏)‏ في المسألة الثالثة هو مذهب ابن القاسم، وذكر ابن رشد عن أشهب أن الزوج لا يرد الخلع قال‏:‏ وهو المختار والصحيح في النظر والقياس إذ لا يكون المشروط إلا تابعاً لشرطه، فإذا كانت المصالحة سابقة للطلاق صحت ومضت ولم يرد الزوج ما أخذ فيها وبطل الطلاق المعلق عليها واحداً كان أو ثلاثاً لوقوعه بعد الصلح في غير زوجة اه‏.‏

قلت‏:‏ تأمل قوله وهو المختار، والصحيح في النظر الخ‏.‏ فإنه لا يجري على ما قالوه من وجهين أحدهما أنهم قالوا في المسألة السريجية وهي إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثاً أن الشرط والمشروط يقعان دفعة واحدة، وجعلوها من المسائل التي ينقض فيها حكم الحاكم‏.‏ وقوله‏:‏ إن المشروط تابع لشرطه يوجب عدم وقوع الثلاث فيها وهو خلاف ما قالوه‏.‏ ثانيهما‏:‏ إن قوله وبطل الطلاق الخ‏.‏ مخالف للمشهور ومذهب المدونة من أنه إذا اتبع الخلع طلاقاً من غير صمات نسقاً لزم وارتدف كما لو نسقه في غير المدخول بها، فهو وإن سلمنا أن المشروط تابع لشرطه كما قال لزم أن يقع الثلاث على المشهور لوقوعها متصلة بالخلع فهو قد اختار وصحح رحمه الله المقابل في الصورتين، وذلك على عادته في كونه يختار خلاف المذهب لرجحانه عنده فلا اعتراض عليه، ومثله وقع له فيمن أعتق أم ولده على أن سلمت له ولده الصغير منها فقال ابن القاسم‏:‏ ذلك لا يجوز ويرد الولد إليها أي والعتق ماض، وقال مرة‏:‏ ذلك لازم لها فقال ابن رشد‏:‏ الأصل في هذا أنه رأى الإسقاط مقدماً على العتق، ومرة رأى العتق مقدماً على الإسقاط فألزمها إياه والأظهر أنه يلزمها لأنهما إذا وقعا معاً فقد وقع واحد منهما قبل كمال صاحبه اه‏.‏ على نقل ابن عات، فاستظهاره وتعليله رحمه الله في هذه موافق لاختياره وتعليله في الأولى‏.‏ وقال أيضاً في بيانه‏:‏ لأن الطلاق والعتق لا يقع في الصحيح من الأقوال بنفس تمام اللفظ به، وإنما يقع بعد مهلة يتعذر فيها وذلك بين من قولها والذي يقول لامرأته قبل الدخول أنت طالق أنت طالق أنت طالق في نسق أنه يلزمه الثلاث، إذ لو كان الطلاق يقع بتمام اللفظ به لم يلزمه إلا طلقة واحدة اه‏.‏ وقال في تكميل المنهج‏:‏

هل يقع الشرط مع المشروط في *** مرة أو مرتين فاقتفي

تعليقه الثلاث بالخلع لذا *** كذلك العتق ببيع نفذا

فانظر تمامه‏.‏ وقوله كذلك العتق هو قول ‏(‏خ‏)‏ في العتق وعتق على البائع إن علق هو والمشتري الخ‏.‏ وانظر قواعد القرافي أيضاً‏.‏

فصل

وَمَوقِعُ الطَّلاقِ دُونَ نِيَّهْ *** بِطَلْقَةٍ يُفَارِقُ الزَّوْجِيَّهْ

‏(‏وموقع‏)‏ مبتدأ ‏(‏الطلاق‏)‏ مضاف إليه ‏(‏دون نية‏)‏ يتعلق بموقع ‏(‏بطلقة‏)‏ يتعلق ب ‏(‏فارق الزوجية‏)‏ مفعول به، والجملة خبر المبتدأ والرابط هو الفاعل بيفارق‏.‏

وَقِيلَ بَلْ يَلْزَمُهُ أَقْصَاهُ *** وَالأَوَّلُ الأظْهَرُ لا سِوَاهُ

‏(‏وقيل‏)‏ مبني للمفعول ونائبه الجملة المحكية ‏(‏بل‏)‏ حرف إضراب ‏(‏يلزمه أقصاه‏)‏ جملة من فعل وفاعل ومفعول ‏(‏والأول‏)‏ مبتدأ ‏(‏الأظهر‏)‏ خبره ‏(‏لا‏)‏ عاطفة ‏(‏سواه‏)‏ معطوف والضمير المجرور بسوى عائد على الأول، والمعنى أن من قال لزوجته أنت طالق مثلاً ولا نية له في واحدة ولا أكثر فقيل‏:‏ تلزمه واحدة وهو الأظهر عند الناظم من جهة النظر لأنه قد حصل بها مسمى الطلاق فلا وجه بإلزامه أكثر، وقيل يلزمه الثلاث احتياطاً والقولان ذكرهما ابن رشد في طلاق السنة كما في ابن سلمون وابن عات، والخلاف مبني على الخلاف في اللفظ المحتمل لأقل ولأكثر إذا لم تصحبه نية هل يحمل على أقل ما صدقاته أو على أكثرها‏.‏ وللمسألة نظائر قاله ‏(‏م‏)‏ ثم ما استظهره الناظم هو المشهور كما أفاده ‏(‏خ‏)‏ بقوله وتلزم واحدة إلا لنية أكثر‏.‏ وقال ابن عرفة‏:‏ وإن قال أنت طالق فهو ما نوى فإن لم ينو شيئاً فواحدة اه‏.‏ وانظر ما مر عند قوله‏:‏ وينفذ الطلاق بالصريح الخ‏.‏ وعلى المشهور فهي رجعية يرتدف عليها كل طلاق أوقعه في عدتها كما لابن رشد وابن لب وغيرهما‏.‏ وقال الشارح‏:‏ الأظهر أنها بائنة لعدم معرفة الناس اليوم الطلاق الرجعي وما قاله ظاهر حيث كانوا لا يطلقون الطلاق في عرفهم إلا على البائن لأن ما به العرف في مثل هذا يتعين المصير إليه كما مر قبل هذين البيتين، وما ذكره ابن رحال عند قول الناظم‏:‏ وفي المملك خلاف والقضاء الخ‏.‏ مما يخالف ما الشارح غير ظاهر‏.‏

تنبيه‏:‏

ذكر في الباب السادس عشر من الفائق أن القاضي أبا عبد الله المقري سئل عمن قال على الطلاق لا أفعل أو لأفعلن فحنث، وله أكثر من واحدة ولم يقصد غير مطلق الطلاق‏.‏ فأجاب بأنه يختار للطلاق واحدة‏.‏ قال‏:‏ ورأيت ذلك أضعف من قوله إحداكن أو امرأتي طالق لأن هذا مقيد لفظاً ومعنى، وذلك مطلق لفظاً محتمل للتقييد بهن معنى اه‏.‏ ونقله ‏(‏ت‏)‏ في حاشيته على ‏(‏ز‏)‏ عند قول ‏(‏خ‏)‏ أو إحداكما طالق أو أنت طالق بل أنت طلقتا الخ‏.‏ وقال عقبه‏:‏ وعندي فيه نظر بل تطليق الجميع في هذه أولى من مسألة ‏(‏خ‏)‏ فتأمله اه‏.‏ ورأيته كتب بخطه في بعض الهوامش في ذلك المحل ما نصه‏:‏ أفتى المقري بأنه يختار، وبه أفتى سيدي عبد القادر الفاسي، ووجهه بتوجيه غير ظاهر، وأفتى سيدي يحيى السراج بأنه يلزمه في الجميع كمسألة إحداكما طالق وهو الموافق للمشهور اه‏.‏ قلت‏:‏ وما قاله من أن هذا هو الموافق للمشهور ظاهر، وهو الذي يتعين المصير إليه وذلك لأن المطلق لفظاً المحتمل للتقييد معنى أقوى في الدلالة على العموم والشمول، فهذه أحرى في لزوم طلاق الجميع من مسألة ‏(‏خ‏)‏ وما قاله المقري معكوس فتأمله، بل هو مقابل للمشهور قال في الشامل ما نصه‏:‏ وفي إحداكما أو امرأته طالق ولم ينو معينة طلقتا معاً على المشهور وقيل يختار اه‏.‏ وقال ابن عرفة‏:‏ وإن شهد عليه أنه طلق إحدى امرأتيه فهو كمن طلق ولا نية له يعني فيطلق الجميع، ولا فرق في ذلك بين التعليق كقوله‏:‏ إن دخلت الدار فعلي الطلاق وغير التعليق كما مرّ عن الشامل و‏(‏خ‏)‏ فلا تغتر بما للمقري، وإن تبعه عليه الشيخ عبد القادر الفاسي والشيخ ‏(‏م‏)‏ على ما وقف عليه بعضهم في جواب للثاني أيضاً‏.‏

وَمَا امْرْؤٌ لِزَوْجَةٍ يَلْتَزِمُ *** مِمَّا زَمَان عِصْمَةٍ يَسْتَلْزِمُ

‏(‏وما‏)‏ موصولة مبتدأ وجملة ‏(‏امرؤ لزوجة يلتزم‏)‏ صلته والمجرور يتعلق بيلتزم والعائد محذوف أي يلتزمه ‏(‏مما‏)‏ بيان لما ‏(‏زمان عصمة‏)‏ ظرف يتعلق بقوله ‏(‏يستلزم‏)‏ والجملة صلة ما الثانية والعائد محذوف أيضاً والتقدير‏:‏ والذي يلتزمه المرء لزوجته من الأمور الآتية التي يستلزم بها في زمان العصمة‏.‏

فَذَا إذَاً دُونَ الثَّلاثِ طَلَّقَا *** زَالَ وَإنْ رَاجَعَ عَادَ مُطْلَقَا

‏(‏فذا‏)‏ مبتدأ ثان ‏(‏إذا‏)‏ ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه ‏(‏دون الثلاث‏)‏ ظرف يتعلق بقوله ‏(‏طلقا‏)‏ وقوله ‏(‏زال‏)‏ هو جواب إذا ومتعلقه محذوف أي زال عنه ما التزمه بهذا الطلاق، والجملة من إذا وجوابها خبر ذا ‏(‏وإن راجع‏)‏ شرط حذف معموله أي راجع الزوجة ‏(‏عاد‏)‏ جواب الشرط أي عاد عليه ما كان التزمه أولاً ‏(‏ مطلقاً‏)‏ حال من فاعل عاد والجملة من هذا الشرط، والجواب معطوفة على الجملة قبلها، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره وما عطف عليه خبر المبتدأ الأول، ودخلت الفاء في الخبر لشبه الموصول بالشرط في العموم والإبهام‏.‏

مِثْلُ حَضَانَةٍ والإنْفَاق عَلَى *** أَوْلادِهَا ومِثْلُ شَرْطٍ جُعِلاَ

‏(‏مثل‏)‏ خبر لمبتدأ محذوف أي وذلك مثل ‏(‏حضانة‏)‏ مضاف إليه ‏(‏والإنفاق‏)‏ بنقل حركة الهمزة معطوف على ما قبله ‏(‏على أولادها‏)‏ يتعلق بالإنفاق ‏(‏ومثل‏)‏ معطوف على مثل الأول ‏(‏شرط‏)‏ مضاف إليه ‏(‏جعلا‏)‏ بالبناء للمفعول صفة لشرط، ومعناه أن الزوج إذا التزم لزوجته بعد عقد النكاح عليها مثل الحضانة على أولادها والنفقة عليهم في زمان عصمتها، أو شرط لها في عقد النكاح أو بعده أن لا يخرجها من بلدها أو لا يغيب عنها أو لا يتزوج ولا يتسرى عليها، وإن فعل فأمرها بيدها أو فالتي يتزوجها طالق فإنه في ذلك كله إذا طلقها دون الثلاث فإن ذلك يسقط عنه، وإن راجعها رجع عليه ما كان التزم مطلقاً اشترط رجوع ذلك عليه ثانياً أم لا‏.‏ كان لها اختيار في الطلاق كما لو طلقها بخلع أم لا‏.‏ كان الطلاق عليه جبراً لضرره بها أم لا‏.‏ وظاهره أنه إذا راجعها يعود عليه ذلك ولو راجعها بعد زوج، ومفهوم دون الثلاث أنه إذا طلقها ثلاثاً ولو في مرات ثم راجعها بعد زوج فإنه لا يعود عليه ذلك إلا بشرط وهو كذلك، وقولي بعد عقد النكاح احترازاً مما إذا التزم لها الإنفاق في صلب العقد وفات بالدخول فإنه لا يلزمه ذلك في النكاح الأول فأحرى أن لا يعود عليه في المراجعة كما مرّ في فاسد النكاح بخلاف الشروط المتقدمة فإنه لا فرق بين التزامها في العقد أو بعده كما قررنا، والظاهر أنه لا مفهوم لقوله زمان عصمة، بل كذلك إذا قال مدة الزوجية أو ما دامت تحته ونحو ذلك كما يقتضيه نص ابن رشد وعليه فلو قال الناظم‏:‏

وإن زوج لزوجه يلتزم *** مثل حضانة وشرط يبرم

فإن يكن دون الثلاث طلقا الخ‏.‏ لكان أشمل وأخصر وأبين وما ذكره الناظم في هذه الأبيات هو كذلك في ابن سلمون وابن عات عن ابن رشد ونقله ‏(‏ح‏)‏ في التزاماته، واعتمده ‏(‏ز‏)‏ وغيره عند قول ‏(‏خ‏)‏ وزائد شرط الخ‏.‏ وتقدم عكس هذه المسألة في قول الناظم‏:‏ ومن يطلق زوجة وتختلع الخ‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ فإن التزم الإنفاق ولم يتعرضا للكسوة فهل تدخل الكسوة‏؟‏ رجح ابن عرفة دخولها قال ‏(‏ت‏)‏ وفي ذلك قلت‏:‏

وتدخل الكسوة في الإنفاق *** على المرجح لدى الإطلاق

قلت‏:‏ ذكر ‏(‏ح‏)‏ أوائل الالتزامات كلام ابن رشد وابن سهل وغيرهما‏.‏ وحاصله‏:‏ أن الملتزم إذا قال‏:‏ أردت دخولها أو عدم دخولها عند الإطلاق صدق كما يصدق أيضاً إذا قال‏:‏ أردت شهراً أو سنة عند الإطلاق في المدة أيضاً، وإن قال لا نية له لا في الدخول ولا في عدمه فالذي يظهر من ابن رشد أن لفظ النفقة يطلق في العرف على الطعام والكسوة وعلى الطعام فقط، وأن الأول هو المشهور، فإذا أطلق الملتزم اللفظ ولم تكن له نية حملت على الأول لأنه المشهور وإن ادعى الملتزم أنه أراد الأخير قبل مع يمينه، وإلى هذا يرجع كلام ابن سهل والمتيطي اه‏.‏ وبالجملة؛ فهي داخلة حيث لا نية ولا عرف بتخصيص النفقة بالطعام وإلا لم تدخل ومن تأمل عرف عامتنا اليوم وجدهم لا يطلقونها على الكسوة بحال فلا تلزمه الكسوة عند الإطلاق وعدم النية كما يفيده كلام ‏(‏ز‏)‏ وغيره أول النفقات وتقدم في الفصل قبل هذا أن العرف يخصص العام، ويقيد المطلق‏.‏

الثاني‏:‏ ليس لها أن تسقط عن الزوج نفقة أولادها حيث عادت لأنه مال وهب لأولادها لا حق لها فيه كما مر أول الخلع، وكذا لو كان الشرط طلاق من يتزوجها عليها أو عتق من يتسرى بها لأنه حق لله‏.‏

الثالث‏:‏ قال الشيخ ‏(‏م‏)‏ ههنا ما معناه انظر إذا تطوع بنفقة أولادها مدة الزوجية هل تنقطع ببلوغه عاقلاً قادراً على الكسب كما تنقطع بذلك عن الأب أو لا تنقطع إلا بموت أحد الزوجين أو فراقهما لقوله في الوثيقة مدة الزوجية وفي التزامات ‏(‏ح‏)‏‏:‏ عن الطرر وابن سلمون أنها تنقطع ببلوغه عاقلاً قادراً قال ‏(‏ح‏)‏ وهو خلاف ظاهر قوله في معين الحكام ومختصر المتيطية إذا طاع الزوج بنفقة ابن الزوجة جاز بعد ثبوت العقد وإن كان في العقد لم يجز للغرر إلى آخر كلام ‏(‏م‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ معنى كون ما لابن سلمون والطرر خلاف ظاهر ما للمعين والمتيطية أنه في المعين والمتيطية أطلق في الجواز بعد العقد فظاهرهما أنه لازم مدة الزوجية ولو عاقلاً قادراً على الكسب، ولهذا زاد ‏(‏ح‏)‏ إثر ما مر عن المعين والطرر ما معناه‏:‏ ويحتمل أن يكون ما في ابن سلمون والطرر تقييداً لما في المتيطية والمعين وهو الظاهر اه‏.‏ ثم رأيت أبا العباس أحمد الملوي رحمه الله نقل عن البساطي في وثائقه أنه استشكل ما لابن سلمون والطرر فإنه التزم النفقة مدة الزوجية فلم أسقطنا عنه النفقة بقدرته على الكسب‏؟‏ قال‏:‏ وكأنهم لاحظوا أن سبب التزامه إسقاط كلفتهم عن الأم وبقدرتهم على الكسب انتفت العلة كما قالوا فيمن اختلعت بنفقة الولد اه‏.‏ وبه تعلم أن ما استظهره ‏(‏ح‏)‏ من التقييد صواب، وأن المعمول عليه هو ما لابن سلمون والطرر والله أعلم‏.‏

كَذَا جَرَى العَمَلُ في التَّمْتِيعِ *** بأَنَّهُ يَرْجِعُ بالرُّجُوعِ

‏(‏كذا‏)‏ يتعلق بمحذوف حال من مضمون ما بعده ‏(‏جرى العمل‏)‏ فعل وفاعل ‏(‏في التمتيع‏)‏ يتعلق بجرى أو بالعمل ‏(‏بأنه‏)‏ يتعلق بجرى أيضاً ‏(‏يرجع‏)‏ خبر إن ‏(‏بالرجوع‏)‏ يتعلق به، والتقدير‏:‏ جرى العمل في التمتيع برجوعه بالرجوع حال كونه كائناً كذلك أي كرجوع ما التزمه الزوج لزوجته‏.‏

وَشَيْخُنَا أبُو سَعِيدٍ فَرَّقَا *** بَيْنَهُمَا رَدَّاً عَلَى مَنْ سَبَقَا

‏(‏وشيخنا‏)‏ مبتدأ ‏(‏أبو سعيد‏)‏ بدل ‏(‏فرقا‏)‏ فعل وفاعل ‏(‏بينهما‏)‏ يتعلق به‏.‏ والجملة خبر المبتدأ ‏(‏رداً‏)‏ مصدر بمعنى الفاعل حال من فاعل فرق ‏(‏على من سبقا‏)‏ يتعلق بالحال المذكور‏.‏

وَقَالَ قَدْ قَاسَ قِيَاساً فَاسِدا *** مَنْ جَعَلَ البَابَيْنِ بَاباً وَاحِدا

‏(‏و‏)‏ ضمير ‏(‏قال‏)‏ يعود على المبتدأ المذكور، والجملة معطوفة على جملة فرقا ‏(‏قد قاس‏)‏ محكي بقال ‏(‏قياساً‏)‏ مصدر نوعي ‏(‏فاسداً‏)‏ نعت له‏.‏ ‏(‏من‏)‏ موصول فاعل بقاس ‏(‏جعل‏)‏ صلة من ‏(‏البابين‏)‏ مفعول أول بجعل ‏(‏باباً‏)‏ مفعوله الثاني ‏(‏واحداً‏)‏ نعت له‏.‏

لأنَّهُ حَقٌّ لَهُ قَدْ أسْقَطَهْ *** فَلاَ يَعُودُ دُونَ أَنْ يَشْتَرِطَهْ

‏(‏لأنه‏)‏ تعليل للفساد ‏(‏حق له‏)‏ خبر إن ‏(‏قد أسقطه‏)‏ نعت لحق ‏(‏فلا يعود‏)‏ جملة من فعل وفاعل معطوفة على جملة قد أسقطه ‏(‏دون‏)‏ متعلق بيعود ‏(‏أن يشترطه‏)‏ في تأول مصدر مخفوض بالإضافة‏.‏

وَذَاكَ لَمْ يُسْقِطْهُ مُسْتَوْجِبُهُ *** فَعَادَ عِنْدَ مَا بَدَا مُوجِبُهُ

‏(‏وذاك‏)‏ مبتدأ ‏(‏لم يسقطه مستوجبه‏)‏ جملة من فعل وفاعل خبر المبتدأ‏.‏ ومعنى مستوجبه مستحقه ولو عبر به لكان أوضح ‏(‏فعاد‏)‏ جملة معطوفة على جملة لم يسقطه ‏(‏عند‏)‏ يتعلق بعاد ‏(‏ما‏)‏ مصدرية ‏(‏بدا موجبه‏)‏ صلتها‏.‏ والموصول وصلته في تأويل مصدر مخفوض بالإضافة أي عند بدء موجبه، وأثبت الناظم صلة غير الفتح في الإضمار ضرورة على حد قوله‏:‏

ومهمه مغبرة أرجاؤه *** كأن لون أرضه سماؤه

وَالأَظْهَرُ العَوْدُ كَمَنْ تَخْتَلِعُ *** فَكُلّ ما تَتْرُكُهُ مُرْتَجَعُ

‏(‏والأظهر‏)‏ مبتدأ ‏(‏العود‏)‏ خبره ‏(‏كمن‏)‏ خبر مبتدأ مضمر ‏(‏تختلع‏)‏ صلة من والرابط ضمير الفاعل العائد على من ‏(‏فكل‏)‏ مبتدأ ‏(‏ما‏)‏ موصولة في محل جر بالإضافة واقعة على الشروط فقط لا عليها وعلى ما تدفعه خلعاً كما يقتضيه عموم ما وبه قرره ولده لأن المخالع به لا يرتجع إلا بنص عليه عند الارتجاع ‏(‏تتركه‏)‏ صلة ما‏.‏ وهو بمعنى الماضي أي‏:‏ فكل ما تتركه من حقها بسبب الطلاق والرابط الضمير المنصوب ‏(‏مرتجع‏)‏ خبر المبتدأ وهو بفتح الجيم، ومعنى هذه الأبيات الست أن الزوجة إن أمتعت زوجها بعد عقد النكاح بسكنى دارها أو استغلال ضيعتها ونحو ذلك مدة عصمتها مثلاً ثم طلقها دون الثلاث فلا سكنى له ولا استغلال فإن راجعها رجعت له السكنى والاستغلال إلا إذا طلقها ثلاثاً، ثم راجعها بعد زوج لم يرجع له شيء حينئذ من التمتيع المذكور فلا فرق بين ما التزمه الزوج لزوجته الذي تقدم الكلام عليه في قوله‏:‏ وما أمرؤ لزوجة يلتزم الخ‏.‏ وبين ما التزمته الزوجة لزوجها من السكنى والاستغلال ونحوهما فإن كلاًّ منهما يسقط بالطلاق ويعود بالمراجعة إلا أن يطلق ثلاثاً كذا قال الجزيري في وثائقه وإياه تبع الناظم حيث قال‏:‏ كذا جرى العمل بالتمتيع الخ‏.‏ ثم أخبرنا الناظم أن شيخه أبا سعيد رحمه الله فرق بين المسألتين رداً على من سبق وهو الجزيري المذكور، وقال‏:‏ إن من قاس مسألة الإمتاع على مسألة التزام الزوج فقياسه فاسد لأنه في مسألة الإمتاع الحق للزوج، وقد أسقط حقه منه باختياره الطلاق لأنه بيده فلا يعود إليه بالمراجعة إلا بإمتاع ثان، وأما ما التزمه الزوج لزوجته من الشروط والإنفاق على أولادها فإن الحق فيه للزوجة أو لبنيها وهم لم يسقطوا حقهم، أما الزوجة فلأنه لا طلاق بيدها حتى تكون به مسقطة حقها‏.‏ وأما الأولاد فكذلك أيضاً هذا ما فرق به أبو سعيد‏.‏ قال الناظم رحمه الله‏:‏ والأظهر عنده العود كما قال الجزيري وشبه ذلك بالمختلعة في المسألة السابقة المشار إليها بقوله‏:‏ وما امرؤ بزوجة الخ‏.‏ فإنها تفارق باختيارها ولها سبب فيه، ومع ذلك تعود لها شروطها وهو معنى قوله‏:‏ فكل ما تتركه الخ‏.‏

قلت‏:‏ ما قاله أبو سعيد رحمه الله أظهر لأن تلك الشروط إن كانت حقاً لله تعالى كطلاق من يتزوجها أو عتق من يتسرى بها عليها أو حقاً لغيرها كنفقة الأولاد وحضانتهم فلا تسقط قطعاً، ولا يكون اختيارها الطلاق بالخلع سبباً في إسقاط تلك الشروط عند المراجعة، وإن كانت حقاً لها فقط كجعل أمرها أو أمر الداخلة عليها بيدها فاختيارها الطلاق بالخلع أيضاً مسبوق باختياره، فلذا عادت الشرط بالمراجعة ويدل على اختيارها الطلاق في الخلع مسبوق باختياره ما قالوه في المختلعة في المرض على ما مرّ، وذلك لأن الزوج إذا أجاب زوجته للخلع فقد أظهر لها عدم رغبته فيها فلا يسعها حينئذ إلا بدله لأن النساء يأنفن من الإقامة عند من أظهر لهن الرغبة عنهن فلا يتم القياس الذي قاسه الجزيري، واستظهره الناظم‏.‏ وبالجملة لم يتمحض اختيارها في الخلع بل هو مسبوق باختياره بخلاف التمتيع فقد تمحض اختياره، ومن شرط القياس المساواة، والله أعلم‏.‏

فصل في التداعي في الطلاق

الفاء للسببية أي التداعي الحاصل بسبب الطلاق قاله ‏(‏ت‏)‏ وهذا الفصل هو المسمى عند الأقدمين بإرخاء الستور قاله الشارح‏.‏

وَالزَّوْجُ إنْ طَلَّقَ مِنْ بَعْدِ البِنَا *** ولاِدِّعاءِ الوَطْءِ رَدَّ مُعْلِنا

‏(‏والزوج‏)‏ مبتدأ ‏(‏إن طلق‏)‏ شرط ‏(‏من بعد البنا‏)‏ ء يتعلق بفعل الشرط المذكور، ومراده بالبناء خلوة الاهتداء ‏(‏ولادعاء الوطء‏)‏ مفعول بقوله ‏(‏رد‏)‏ وفاعله ضمير الزوج واللام زائدة لا تتعلق بشيء كما مر، والجملة معطوفة على جملة الشرط قبلها ‏(‏ معلنا‏)‏ حال من فاعل رد‏.‏

فالقَولُ قَوْلُ زَوْجَةٍ وَتَسْتَحِقْ *** بَعْدَ الْيَمِينِ مَهْرَها الّذِي يَحِقْ

‏(‏فالقول قول زوجة‏)‏ مبتدأ وخبر، والجملة جواب الشرط ولذا دخلت الفاء ‏(‏وتستحق‏)‏ فاعله ضمير الزوجة ‏(‏بعد اليمين‏)‏ يتعلق به ‏(‏مهرها‏)‏ مفعول به ‏(‏الذي‏)‏ صفة لما قبله ‏(‏يحق‏)‏ صلة الذي والرابط هو الفاعل بيحق، والجملة من تستحق وما بعده معطوفة على جواب الشرط والشرط وجوابه خبر المبتدأ الذي هو الزوج، ومعناه أن الزوج إذا خلا بزوجته خلوة يمكن شغله منها، وإن لم يكن هناك ستر ولا غلق باب ثم طلقها بعد تلك الخلوة وهي مراد المصنف بالبناء كما مرّ فادعت هي المسيس وادعى هو عدمه فإن القول للزوجة بيمينها للعرف، إذ قل أن يفارقها قبل الوطء، وتستحق جميع مهرها الحال أو ما حل منه عند حلفها، وأما المؤجل فتستحقه عند حلول أجله، وظاهر النظم كانت حرة أو أمة رشيدة أو سفيهة تلبست بمانع وقت الاختلاء كحيض أم لا‏.‏ وهو كذلك في الجميع ‏(‏خ‏)‏ وصدقت في خلوة الاهتداء، وإن بمانع شرعي، وفي نفيه وإن سفيهة أو أمة الخ‏.‏ ثم لا يتمكن من ارتجاعها لإنكاره الوطء قاله في المتيطية وغيرها‏.‏ وظاهر النظم أنه لا ينظرها النساء إن كانت بكراً وهو كذلك على المشهور والجاري على ما مرّ في العيوب أن النساء ينظرنها وهو الذي به العمل، وعليه فإن وجدنها مفتضة فقولها، وإلا فقوله مع اليمين فيهما أيضاً لأن شهادة النساء وحدهن في المال، أو ما يؤول إليه لا بد معها من اليمين، ومفهوم قوله من بعد البناء أنهما إذا اختلفا في المسيس بعد العقد عليها، ولم تثبت خلوة بينهما فإن القول للزوج حينئذ وهو كذلك قاله ابن حارث‏.‏ ومفهوم قوله‏:‏ رد معلناً أنه إذا أقر بالوطء فيه أخذ بإقراره، ولو أنكرت هي ذلك رشيدة كانت أو سفيهة وهو كذلك في السفيهة، وكذا في الرشيدة إن رجعت عن إنكارها إلى تصديقه قبل أن ينزع عن إقراره لا إن رجعت بعد نزعه فليس لها إلا نصف الصداق فإن استمر على إقراره واستمرت على تكذيبه، فهل لها جميع الصداق أو نصفه فقط تأويلان‏.‏ ومفهوم قوله لادعاء الخ‏.‏ أنهما إذا اتفقا على نفي الوطء فيعمل على قولهما وإن سفيهة أو أمة وهو كذلك كما مر عن ‏(‏خ‏)‏ لكن ذلك إنما هو بالنسبة للصداق، وأما بالنسبة للعدة ونفي الولد فلا إذ العدة تجب بمجرد الخلوة والولد لا ينتفي إن أتت به لستة أشهر فأكثر من يوم العقد ولو لم تعلم خلوة إلا بلعان‏.‏

وَإنْ يَكُنْ مِنْها نُكُولٌ فَالْقَسَمْ *** عَليهِ وَالواجِبُ نِصْفُ ما التَزَمْ

‏(‏وإن يكن‏)‏ شرط ‏(‏منها‏)‏ خبر يكن ‏(‏نكول‏)‏ اسمها ‏(‏فالقسم عليه‏)‏ جملة من مبتدأ وخبر جواب الشرط ‏(‏والواجب‏)‏ مبتدأ ‏(‏نصف ما التزم‏)‏ خبر، والجملة معطوفة على جملة الجواب قبلها وما واقعة على الصداق والعائد محذوف أي‏:‏ نصف الصداق الذي التزمه‏.‏

وَيَغْرِمُ الْجَمِيعَ مَهما نَكَلاَ *** وَإنْ يَكُن كَالابتِنَاءِ قَدْ خَلا

‏(‏ويغرم‏)‏ فاعله ضمير الزوج ‏(‏الجميع‏)‏ مفعوله ‏(‏مهما‏)‏ اسم شرط ‏(‏نكلا‏)‏ مجزوم المحل وألفه للإطلاق، ويصح أن تكون للتثنية‏.‏ والجملة قبله يليه دليل الجواب ومعنى كلامه واضح وإنم وجب عليه غرم الجميع لأن النكول بالمنكول تصديق للناكل الأول‏.‏

ثم أشار إلى ما إذا كانت الخلوة لغير البناء بل لزيارة فقال‏:‏ ‏(‏وإن يكن‏)‏ شرط واسمها ضمير الزوج ‏(‏لا‏)‏ معطوفة على مقدر متعلق بخلا ‏(‏لابتناء‏)‏ معطوف ‏(‏قد خلا‏)‏ خبر يكن أي وإن يكن قد خلا لزيارة لا لابتناء‏.‏

فالقَوْلُ قَوْلُ زَائِرٍ وَقيلَ بَلْ *** لِزَوْجَةٍ وَما عَليهِ مِنْ عَمَلْ

‏(‏فالقول‏)‏ مبتدأ ‏(‏قول زائر‏)‏ خبره‏.‏ والجملة جواب الشرط، وإذا كان القول للزائر، فإذا زارته هي وادعت المسيس فالقول قولها بيمينها وإن زارها أو كانا زائرين معاً عند الغير، فالقول قوله بيمينه لأن الرجل إنما ينشط في بيته غالباً ‏(‏وقيل‏)‏ مبني للمفعول نائبه الجملة المحكية بعده ‏(‏بل‏)‏ عاطفة على مقدر أي‏:‏ وقيل لا يكون القول للزائر بل ‏(‏لزوجة‏)‏ مطلقاً ‏(‏وما‏)‏ نافية ‏(‏عليه‏)‏ خبر عن قوله ‏(‏من عمل‏)‏‏.‏

وَمَنْ كَسا الزَّوْجَةَ ثُمَّ طَلَّقا *** يَأخُذُها مَعْ قُرْبِ عَهْدٍ مُطْلقَا

‏(‏ومن‏)‏ اسم شرط ‏(‏كسا الزوجة‏)‏ مفعول أول بكسا ومفعوله الثاني محذوف أي ثوباً ‏(‏ ثم‏)‏ عاطفة الجملة التي بعدها على التي قبلها ‏(‏طلقا‏)‏ ألفه للإطلاق ‏(‏يأخذها‏)‏ فعل وفاعل ومفعول، والجملة جواب الشرط، والضمير عائد على الكسوة المفهومة من كسا ‏(‏مع‏)‏ بسكون العين يتعلق بيأخذ ‏(‏قرب‏)‏ مضاف إليه ‏(‏عهد‏)‏ كذلك ‏(‏مطلقاً‏)‏ حال من فاعل يأخذ‏.‏

وَالأَخْذُ إنْ مَرَّتْ لها شُهورُ *** ثَلاثةٌ فَصاعِداً مَحْظُورُ

‏(‏والأخذ‏)‏ مبتدأ ‏(‏إن مرت لها شهور‏)‏ فاعل بمرت ‏(‏ثلاثة‏)‏ الظاهر أنه خبر كان مقدرة مع اسمها، والجملة صفة أي يكون عدها ثلاثة ‏(‏فصاعداً‏)‏ والفاء حينئذ عاطفة، وأما رفع ثلاثة على أنه نعت أو عطف بيان، فليس هناك حينئذ ما يعطف عليه فصاعداً لأنه بالنصب ‏(‏محظور‏)‏ خبر المبتدأ وجواب الشرط محذوف للدلالة عليه، والمعنى أن من كسا زوجته ثوباً ونحوه الكسوة الواجبة عليه شرعاً، ثم طلقها طلاقاً بائناً ولا حمل بها ولما طلقها أراد أن يأخذ الكسوة فإنه يقضي له بها مطلقاً خلقت أم لا‏.‏ لكن لا بد أن يقرب العهد بحيث يكون بين الطلاق وزمن الكسوة أقل من ثلاثة أشهر، وأما إن مضى لها ثلاثة أشهر، فأكثر فأخذه إياها ممنوع بخلاف النفقة إن كان عجلها لها فله أخذها مطلقاً أي‏:‏ ما بقي منها مضت لها ثلاثة أشهر أو أقل أو أكثر فإن اختلفا فادعت هي أنها مضت لها ثلاثة أشهر فأكثر، وادعى هو أنه لم يمض لها ذلك، فالقول قوله وعليها إقامة البينة على ما ادعت لأنها تريد استحقاق الثوب قاله في الوثائق المجموعة، ويأتي للناظم قريباً في قوله‏:‏ وحيثما خلفهما في الزمن الخ‏.‏ ثم ما ذكره الناظم في الطلاق يجري في الموت ‏(‏خ‏)‏ وردت النفقة لا الكسوة بعد أشهر الخ‏.‏ وهذا في الكسوة الواجبة عليه كما مر سواء كانت تأخذها بفرض القاضي بأن رفعت أمرها إليه حتى فرضها لها أم لا‏.‏ وأما الكسوة الغير الواجبة بأن أعطاها لها على وجه الهدية فهي لها في الطلاق موروثة عنها في الموت لأنها عطية قد حيزت‏.‏ فإذا اختلفا فقال الزوج‏:‏ هذه الكسوة هي الواجبة عليَّ وقالت هي أو ورثتها‏:‏ بل هدية فهو ما أشار له الناظم بقوله‏:‏

وَإنْ يَكونا اختَلَفا في المَلْبَسِ *** فالقَوْلُ قَوْلُ زَوْجَةٍ في الأَنْفَسِ

‏(‏وإن يكونا‏)‏ شرط وألفه اسمها ‏(‏اختلفا‏)‏ خبرها ‏(‏في الملبس‏)‏ بضم الميم وفتح الباء اسم مفعول من ألبس يتعلق باختلف ‏(‏فالقول قول زوجة‏)‏ مبتدأ وخبر ‏(‏في الأنفس‏)‏ يتعلق بالخبر، والجملة جواب الشرط‏.‏

وَالقَوْلُ لِلزَّوْجِ بِثوْبٍ مُمْتَهَنْ *** وَلُبْسُ ذاتِ الحَمْلِ بالحَمَلِ اقْتَرَنْ

‏(‏والقول‏)‏ مبتدأ ‏(‏للزوج‏)‏ خبره ‏(‏بثوب‏)‏ يتعلق بالخبر أيضاً وباؤه للظرفية ‏(‏ ممتهن‏)‏ صفة له والمعنى أنهما إذا اختلفا في الكسوة وهي مراده بالملبس فقالت‏:‏ هي هدية وقال هو‏:‏ بل هي الواجبة عليَّ فإنه ينظر فإن كانت رفيعة لا يفرض مثلها على مثله، فالقول للزوجة بيمين أنها هدية، وإن كانت مما يفرض مثلها على مثله ويكسو مثله بها زوجته فالقول له مع اليمين، فالمراد بالممتهن ما يكسو به مثله زوجته، ويحتمل وهو الظاهر أن المراد بالممتهن المستخدم الذي لم تمض له ثلاثة أشهر كما يأتي، وعلى الأول فما ذكره من كون القول لها في الأنفس ظاهر إذا كان لها ثوب آخر على ظهرها تبتذله بدليل ما قبله ولم يدع هو أنه قد دفعه لها للتزين به فقط، وأما إذا لم يكن لها غيره على ظهرها أو كان عليها غيره، ولكن ادعى هو أنه دفعه للتزين فقط فالقول له إذ قد يكسو الرجل زوجته بأحسن صفة من كسوة أمثاله لها فيجري فيه التفصيل المتقدم بين مضي ثلاثة أشهر أم لا‏.‏ وقد يدفعه لها للتزين حيث كان لها غيره إذ الزوج حينئذ قد علم أصل ملكه فلا يخرج من يده إلا على الوجه الذي قصده كما مر آخر الاختلاف في متاع البيت، اللهم إلا أن يكون هناك عرف بأن مثله يهديه الزوج لزوجته‏.‏ قال في الطرر قبل ترجمة اللعان ما نصه‏:‏ قال ابن تليد‏:‏ إن ابتاع الرجل لزوجته كسوة مثل ثوب أو فرو، ثم تموت فيريد أخذها لم يكن له ذلك وهو موروث عنها، وكذلك قال بعض الشيوخ في الموت والطلاق، وبه العمل قال‏:‏ وهذا إذا كانت لغير البذلة اه‏.‏ فهو ظاهر بل نص في أن لها ثوباً آخر عليها تبتذله بدليل قوله‏:‏ وهذا إذا كانت الخ‏.‏ وظاهر أيضاً في أنها ادعت أو وارثها أن ذلك هدية كما هو نص الوثائق المجموعة، إذ لو قالت‏:‏ هو لي لجرى على الاختلاف في متاع البيت، وبالجملة فأما أن تدعي أنه لها فهو ما مرّ في الاختلاف في متاع البيت، وأما أن يدعي هو أنه أهداه لها وهذا فيه وجهان‏.‏ أحدهما‏:‏ أن يدعي هو أنه من الكسوة الواجبة عليه كما مر، وثانيهما أن يدعي أنه دفعه لها للتزيين فقط ثم قال في الطرر إثر ما مر، قال ابن لبابة‏:‏ وما اشتراه الرجل لزوجته أو اشترته لنفسها من ماله ولا ينكر عليها إذا تزينت به فإنه لها عاش أو مات‏.‏ وقال أيضاً إنه لورثة الرجل إن مات عنها إلا أن تقيم البينة على هبة أو عطية قال غيره‏:‏ وكذلك إن كان حياً بيمين وهو أحسن اه بلفظه، فقد حكى عن ابن لبابة قولين‏.‏ والثاني منهما هو الذي رجحه، وعلى هذا الترجيح جرى الشاطبي في فتواه المنقولة في الشرح، حيث سئل عن امرأة قالت بعد وفاة زوجها في ثياب تشاكلها أن زوجها المتوفي ساقها لها أو أهداها لها وخالفها الورثة فقال‏:‏ لا يسمع دعوى المرأة إلا ببينة وعلى الورثة اليمين أنهم لا يعلمون أن تلك الثياب من مال المرأة وليست هذه المسألة من الاختلاف في متاع البيت لأن المرأة مقرة بأن الثياب بأعيانها للزوج‏.‏ قال‏:‏ ولكن يبقى النظر في لباسها تلك الثياب وامتهانها يعني بحضرة المتوفي قال‏:‏ والصحيح أن الرجل ليس له أخذ كسوة المرأة عند فراقها إذا كانت متبذلة فإن لم تبتذل كان له ارتجاعها، فهذه الثياب مثلها إن كانت الزوجة قد ابتذلتها فهي لها وإلاَّ صارت ميراثاً اه باختصار‏.‏ وثياب البذلة هي ثياب المهنة المستخدمة وعليه فما صححه هذا الإمام هو ما مر عن ‏(‏ خ‏)‏ فمرادهم بالبذلة ما كثر لبسها له بحضرة زوجها حتى خلق وبلي، ولو كان من ثياب الزينة‏.‏ وأحرى إذا كان على ظهرها تبتذله كل يوم كما هو الظاهر من هذه الفتوى، فما في النظم حينئذ مخالف لإطلاق ‏(‏خ‏)‏ لا الكسوة بعد أشهر، وما في الطرر عن ابن تليد وابن لبابة في أول قوله مخالف بظاهره لذلك أيضاً، لكن ما لابن لبابة يمكن حمله على ما في ‏(‏خ‏)‏ بل يقيد بما إذا لم يمض لها ثلاثة أشهر فأكثر وهي تبتذلها بحضرته وإلاَّ فهي لها، وأما ما لابن تليد وهو ظاهر النظم فمخالف لإطلاق ‏(‏خ‏)‏ قطعاً اللهم إلا أن يكون قوله‏:‏ وهذا إذا كانت لغير البذلة معناه‏.‏ وهذا إذا لم تبتذل ويمضي لها ثلاثة أشهر فيوافقه حينئذ ويكون معنى قول الناظم في الأنفس أي الذي ابتذل ومضت له المدة المذكورة، ومراده بالممتهن أي الذي يكسى مثله لمثلها أو لا يكسى، ولكن لم يبتذل ولم تمض له تلك المدة فالقول فيه للزوج حينئذ فتأمله والله أعلم‏.‏ لكن كان الناظم في غنى عن هذين البيتين بالبيتين قبلهما، وقد تقدم الكلام على هذا آخر الاختلاف في متاع البيت‏.‏

‏(‏ولبس‏)‏ مبتدأ ‏(‏ذات الحمل‏)‏ مضاف إليه ‏(‏بالحمل‏)‏ يتعلق بقوله‏:‏ ‏(‏اقترن‏)‏ والجملة خبر، والمعنى أن المطلقة طلاقاً بائناً وهي حامل تجب لها الكسوة بظهور الحمل وحركته كالنفقة على المشهور المعمول به، وروي عن مالك أنه لا شيء لها حتى تضع ثم تفرض لها النفقة والكسوة مدة الحمل السابقة خيفة أن يكون ريحاً فينفش ‏(‏خ‏)‏‏:‏ ولا نفقة بدعواها، بل بظهور الحمل وحركته فتجب من أوله إلى آخره‏.‏ ابن العطار‏:‏ يفرض لها في الكسوة ما تحتاج إليه من الجبة والكساء وغير ذلك قال‏:‏ وينظر إلى غالب مدة الحمل، فإن قيل‏:‏ تسعة أشهر، فيقال‏:‏ كم قيمة الجبة، وفي كم تبلى فإن كانت تبلى لسنة ونصف دفع إليها نصف قيمتها تعمل به ما شاءت، وكذا في الكساء ويدفع لها القميص والمقنعة‏.‏ انظر البرزلي أوائل النفقات‏.‏ وقولنا بائناً احترازاً مما إذا كان رجعياً فإنها كالزوجية في النفقة والكسوة‏.‏

وَحَيثُما خُلْفُهما في الزَّمَنِ *** يُقَالُ لِلزَّوْجَةِ فِيهِ بِيِّنِي

‏(‏وحيثما‏)‏ اسم شرط وفعل الشرط محذوف أي حيثما وقع ‏(‏خلفهما‏)‏ اسم مصدر بمعنى اختلاف فاعل بوقع المقدر ‏(‏في الزمن‏)‏ يتعلق بخلف ‏(‏يقال للزوجة‏)‏ نائب عن الفاعل ‏(‏فيه‏)‏ يتعلق بيقال ‏(‏بيني‏)‏ فعل أمر وفاعله ياء المؤنثة المخاطبة، والجملة من فعل الأمر وفاعله محكية بيقال والجملة من يقال‏:‏ وما بعده جواب الشرط‏.‏ والمعنى أنهما إذا اختلفا في الزمن فقالت‏:‏ مضى للكسوة ثلاثة أشهر وأنكر هو ذلك فإن القول للزوج، ويقال للمرأة أقيمي البينة على ما تدعيه كما مرّ عن الوثائق المجموعة، فإن عجزت حلف الزوج وله قلبها عليها كما قال‏:‏

وَعَجْزُها يَمِينَ زَوْجٍ يُوجِبُ *** وَإنْ أرَادَ قَلْبَها فَتُقْلَبُ

‏(‏وعجزها‏)‏ مبتدأ ‏(‏يمين زوج‏)‏ مفعول بقوله ‏(‏يوجب‏)‏ والجملة خبر ‏(‏وإن أراد‏)‏ شرط ‏(‏قلبها‏)‏ مفعول به ‏(‏فتقلب‏)‏ جواب الشرط، وإنما قلبت لأنها دعوى تحقيق، فإن حلفت استحقت وإلا فلا شيء لها لأن النكول بالنكول تصديق للناكل الأول‏.‏

فصل

وَمَنْ يُطَلِّقْ طَلْقَةً رَجْعِيَّهْ *** ثُمَّ أرَادَ العَوْدَ لِلزَّوْجِيَّهْ

‏(‏ومن يطلق‏)‏ شرط ‏(‏طلقة‏)‏ مفعول مطلق ‏(‏رجعية‏)‏ نعت له ‏(‏ثم‏)‏ عاطفة الجملة التي بعدها ‏(‏أراد العود‏)‏ جملة من فعل وفاعل ومفعول ‏(‏للزوجية‏)‏ يتعلق بالفعل‏.‏

فَالقَوْلُ للزَّوْجَةِ واليَمِينُ *** عَلَى انْقِضَاءِ عِدَّةٍ تَبِينُ

‏(‏فالقول‏)‏ مبتدأ ‏(‏للزوجة‏)‏ خبره والجملة جواب الشرط ‏(‏واليمين‏)‏ مبتدأ ‏(‏على انقضاء عدة‏)‏ يتعلق باليمين ‏(‏تبين‏)‏ بضم التاء مضارع أبان خبر عن اليمين أي‏:‏ أن يمينها على انقضاء العدة تبين عصمتها وتخرجها من العدة قاله ‏(‏م‏)‏ ويحتمل أن خبر اليمين محذوف أي‏:‏ واليمين على انقضاء عدتها واجبة عليها ولا تصدق بمجرد دعواها الانقضاء، وتبين حينئذ بفتح التاء مضارع بان إذا ظهر صفة لعدة وحاصل معنى البيتين أن الطلاق إذا كان رجعياً واختلفا في انقضاء العدة، فالقول للزوجة مع يمينها على ما درج عليه الناظم، وحكاه ابن الهندي عن مقالات ابن مغيث‏.‏ والمشهور أن لا يمين عليها ‏(‏ خ‏)‏‏:‏ وصدقت في انقضاء عدة الإقراء والوضع بلا يمين ما أمكن اه‏.‏ واختلف فيما يمكن انقضاء عدتها فيه فقال سحنون‏:‏ أقل ما تصدق فيه أربعون يوماً‏.‏ وقال ابن الماجشون‏:‏ خمسون يوماً‏.‏ وفي اختصار المتيطية قال في غير المدونة‏:‏ ولا تصدق في أقل من خمسة وأربعين يوماً‏.‏ قال‏:‏ وبه جرى عمل الشيوخ انظره في باب الرجعة، ولعل الناظم إنما اعتمد القول باليمين مع أن المتيطي قد صرح إثر ما مرّ عنه بأنه ليس العمل على أن تحلف لفساد الزمان فقد قال ابن العربي‏:‏ قلت الأديان بالذكران فكيف بالنسوان‏؟‏ فلا تمكن المطلقة من التزويج إلا بعد ثلاثة أشهر من يوم الطلاق، ولا تسأل هل كان الطلاق أول الطهر أو آخره وعليه صاحب اللامية حيث قال‏:‏ وذات قرء في اعتداد بأشهر الخ‏.‏ أي لا تصدق في أقل من ثلاثة أشهر لا أنها تخرج من العدة بثلاثة أشهر، ولو لم تحصل الإقراء الثلاث فإن هذا خلاف نص القرآن كما مرّ عند قول الناظم‏:‏ ويملك الرجعة بالرجعي إلى قوله‏:‏ وفي المملك الخلاف الخ‏.‏ ثم محل كونها لا تصدق في أقل من ثلاثة أشهر على ما به العمل اليوم إنما هو إذا أرادت التزويج كما مر، وأما بالنسبة للرجعة التي الكلام فيها فإنها تصدق في كل ما يمكن انقضاؤها فيه كالشهر ونصفه على ما مر أن العمل عليه، بل ولو في الشهر فقط على ما مر في المدونة من أنها تصدق إذا قالت النساء إن ذلك ممكن وإلا لزم القدوم على فرج مشكوك، والفروج يحتاط لها‏.‏ ولا سيما وقد علمت أنه روعي حق الله في عدم تصديقها في أقل من ثلاثة أشهر بالنسبة للتزوج على المعمول به اليوم فيقال‏:‏ كذلك يراعى حق الله أيضاً في تصديقها فيما يمكن بالنسبة للرجعة بالأحرى، نعم إذا ادعت انقضاءها فيما لا يمكن أصلاً كأقل من شهر فلا تصدق وله ارتجاعها كما قال‏.‏